كيف نحيي ذكرى المولد النبوي الشريف؟ إننا في ذكرى مولده الشريف نشعر بالعجز الشديد عن الوفاء بحقه، وعن حصر
كمالاته التي منحه الله تعالى إياها لأننا لا نستطيع أن نحيط بمقامه ، فما
عرف حقيقته ولا قدره إلا ربه عز وجل الذي اصطفاه على سائر الخلق وجعله حياة
القلوب ونور الوجود، فإن كانت الشمس تبدد ظلام الكون الظاهر المحسوس، فإن
المصطفى هو الشمس الحقيقية التي تكشف ظلام النفس الحالك، فبشرى لنا معاشر
المسلمين في كل مكان بمولده صلوات الله وسلامه عليه الذي يذكرنا بما أكرمنا
الله به من الخير والسعادة على يديه، وطوبى لمن أحيى تلك الذكرى المباركة
حبا في رسول الله وتجديدا لذكرى مولده، وشكرا لله تعالى على نعمة وجوده،
وذلك لا يكون إلا بإحياء سنته وبيان شمائله وما نالته الأمة المحمدية من
المنح الإلهية والخصائص العظيمة بظهوره .
وقد أنكر بعض العلماء
إحياء ليالي المولد النبوي العظيم، لأنه لم يظهر ذلك في عهد الصحابة،
والحقيقة أننا في هذا العصر المادي المسرف في ماديته، أصبحنا في حاجة ماسة
ليقظة القلوب بإحياء تلك المناسبة العطرة المباركة، وأما الصحابة رضوان
الله عليهم فإن قلوبهم كلها كانت تتذكره في كل حركة وسكنة.وإن
الحديث في تلك الذكرى العظيمة ليمس شغاف القلوب، ويحرك لطائف الأفئدة،
ويبعث في القلوب نشوة روحية وشوقا إليه ،وقد أجمعت الأمة الإسلامية منذ
القرن الثالث الهجري على إحياء تلك الذكرى المباركة.هذا ولا
تجتمع هذه الأمة المحفوظة بدعوة نبيها صلوات الله وسلامه عليه على الضلالة،
فقد ثبت عن سيدنا رسول الله أنه قال( لن تجتمع أمتي على ضلالة فعليكم
بالجماعة ). رواه الطبراني
فإحياء المولد الشريف ما هو في الحقيقة
إلا تعبير عن خالص الحب ومدارسة سيرته العطرة التي تجذب القلوب إلى الطاعة
وتدفعها إلى العبادة،وأن الاحتفال بمولده أمر مقبول عقلا لأن
الله تعالى أمر جميع الكائنات فاحتفلت بليلة مولده ، ومن ذلك ما ظهر لأمه
وما رأته قابلته التي تلقته على يديها وما حصل لجميع النساء الحاملات في
عام حمله وكسبت الأرض خصبا وجودة حتى صار عام ولادته مشهورا بعام الفتح
والجود والخير العميم، وطاف به سيدنا جبريل ليلة مولده حتى عرج به إلى
السماء ليبشر به ، وحرست السماء من الشياطين وخمدت نار فارس وتصدع إيوان
كسرى ونكست الأصنام وفاضت بحيرة طبرية وغاضت بحيرة ساوة ونطقت الحيوانات
ورد الله أبرهة بفيله برجم أبابيل إلى غير ذلك من الإرهاصات التي حدثت
احتفالا بمولده الشريف صلوات الله وسلامه ...