السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
يهل علينا الشهر الفضيل ... شهر الرحمة والمغفرة والعتق من النار ... ومع حلول هذا الشهر يحلو الحديث عن الجوانب الصحية والنفسية للصيام .. فاسمحوا لي اخواني في هذه الزاوية ان نتحدث قليلاً على سلوكياتنا الغذائية المختلفة .. وما يجب علينا اتباعه لنصل الى سلوك المسلم السوي في نظامنا الغذائي .. وليكون لنا نصيب من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم :-
( صوموا تصحوا )
الحالة الفسيولوجية للصائم :
تدوم فترة الصيام في شهر رمضان المبارك بين شروق الشمس إلى الغروب ما يعادل 12 ساعة في الشتاء و15 ساعة في فصل الصيف تقريبا، ومع طول فترة الصيام، والامتناع عن الطعام، يستهلك الجسم مصدر الطاقة الرئيسي الجلايكوجين (وهو نوع من السكر المخزن فيالكبد والعضلات وتعادل كميته 250-300 كالوري تقريبا)، وعادة قد يستهلك مخزون الطاقة في ظرف 6 ساعات، لذلك نجد أن في فترة الصيام وبعد استنفاذ الجلايكوجين يتحول الجسم إلى استهلاك الطاقة من مصادرأخرى في الجسم مثل الدهون ثم البروتينات، وعندما يتم تكسير المصادر الأخرى تنتجالأجسام الكيتونية (ketone bodies( ،وهي السبب الرئيسي لرائحة خلوف فم الصائم المميزة له خاصة في نهاية النهار.
ونلاحظ أن البعض يشعربصعوبة الصيام في الأيام الأولى من الشهر، إلا أنها تزول بعد عدة أيام حيث يمر فيهاالجسم بمرحلة تكيف مع النظام الغذائي الجديد، مثل قلة السكر في الدم، فيعتمد على مخزن النشويات والدهون في البداية، وعند زيادة فترة الصيام إلى أكثر من 12 ساعة يبدأ الجسم في ضبط احتياجاته (وذلك يختلف من جسم إلى جسم) ليخفف أي نقص غذائي على أعضاء الجسم من جراء الصيام، فتقل ساعات العمل وينخفض معدل النشاط الحركي نتيجة الصيام، ويشعر المرء بشهية لتناول مختلف أنواع الأغذية، وبعد إفطار الصائم نلاحظ أنه قد يصاب بالصداع والخمول والإجهاد أو برجفة برد، وهذا شيء طبيعي خاصة بعد تناول وجبة عالية الطاقة، فيدخل الجسم مرحلة الخمول بسبب عملية الهضم التي تستدعي تدفق الدم بسرعة إلى منطقة المعدة والأمعاء اللذان يكونان منشغلان بالهضم والامتصاص، ويبرد الجسم لفترة قصيرة ثم يعود إلى حالته الطبيعية. " وهذا سبب تقاعس البعض عن تأدية صلاة التراويح بداعي التعب والخمول" .
( إذا أفطر أحدكم فليفطر على تمر )
أفطر على مرحلتين : فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعجل فطره على تمرات أوماء ، ثم يعجل صلاة المغرب ، ويقدمها على إكمال طعام إفطاره . وفي ذلك حكمة نبوية رائعة . فتناول شيء من التمر والماء ينبه المعدة تنبيها حقيقيا ، وخلال فترة الصلاة تقوم المعدة بامتصاص المادة السكرية والماء ، ويزول الشعور بالعطش والجوع . ويعودالصائم بعد الصلاة إلى إكمال إفطاره، وقد زال عنه الشعور بالمهم . ومن المعروف أن تناول كميات كبيرة من الطعام دفعة واحدة وبسرعة قد يؤدي إلى انتفاخ المعدة وحدوث تلبك معوي وعسر هضم، فينبغي على الصائم تناول الطعام على فترات محددة وثابتة حتى ينتظم إفراز المعدة ويصبح الهضم سهلا، ولهذا السبب يفضل بدء الإفطار بأغذية خفيفة وبكمية قليلة مثل عدد قليل من التمر وحساء دافئ أو ماء وعصير طبيعي غير مثلج، وهذا الشيء ضروري جدا للجسم، فالسوائل والعصائرالطبيعية تعد أفضل الأغذية للصائم واحتواؤها على السكريات الطبيعية البسيطة السهلة الامتصاص لتقدم تعويضا سريعا لما فقده الجسم خلال فترة الصوم.
والتمر يحتوي على عناصرغذائية، وأهمها السكريات التي تمد الجسم بالطاقة السريعة إثر تناولها بوقت قصيرجدا، إذ إن السكريات الموجودة في التمر سهلة الهضم وسريعة الامتصاص في الجسم، وبما أن الصائم يفقد طاقة كبيرة خلال النهار، فمن الحكمة بداية الإفطار بتناول التمرلإعطاء الجسم الطاقة بصورة مباشرة وسريعة، إضافة إلى المعادن والألياف الطبيعية المفيدة.
كما يُفضل تناول الحساء(الشوربة)، مثل شوربة الدجاج أو الخضار ، فالحساء طبق مهم جدا وصحي، وكذلك السلطات الخضراء، والعصائر الطبيعية والفواكه الطازجة لأنها سهلة الهضم والامتصاص، ولا بأس في تناول الحلويات البسيطة كالمهلبية . مع مراعاة عدم المزج بين الأنواع المختلفة من الأطعمة في نفس الوقت، أو شرب الحساء الساخن مع السوائل المثلجة أو الباردة، حيث يتسبب ذلك في عسر الهضم ومشاكل الجهاز الهضمي، وتزيد حدة هذه الأعراض في الأيام الأولى من الصيام.
وعلينا أن نراعي أن رمضان هذا العام يأتي في الحروهذا الأمر أوجب وأدعى أن نلتزم بجدية بعدم الإسراف في تناول الكميات الكبيرة والأطعمة الدسمة والمحمرات والسكريات لصعوبة وبطء عمليات الهضم والميتابوليزم المتعلق بها والذي يرفع من درجة حرارة الجسم مما يزيد من الشعور بالعطش ويسبب نقل سوائل الدم إلى داخل الخلية مما يضاعف أكثر من الشعور بالعطش ويسبب الوخم والإجهاد والصداع والمغص.
ومن الأغذية التي يجب تجنبها على سفرة الصائم بعض أطباق المقبلات، خاصة الأغذية المقلية والأغذية الغنية بالدهون والزيوت والقطر (السكر السائل)، التي تتميز بها الحلويات العربية، فإضافة إلى الأخطار الصحية على الجسم، فإن زيادة تناول المقليات في هذا الشهر، يُشجع على تكرار عملية القلي في نفس الزيت، مما تزيد فيه مخاطر تكسر الزيت وحرقه، إضافة إلى تكرار قلي بقايا الأغذية المتبقية داخل الزيت ومع ارتفاع الحرارة وتكراره، يؤدي إلى تكسرها وحرقها منتجة بعض المركبات المسرطنة،إضافة إلى احتمال تكون مركبات الاكريلاميد بها.
كما يجب أن يكون أغلب طعامنا في صيام الصيف مكون من الخضروات والفواكه الطازجة والمجففة والحبوب الكاملة والبقوليات مع الإقلال من البروتينات الحيوانية لإمداد الجسم بالفيتامينات أ، ب المركب، هـ اللازمة للمحافظةعلى حيوية ومناعة الجسم ومكافحة الإجهاد ، بالإضافة إلى الأملاح المعدنية للبوتاسيوم والمغنيسيوم والحديد والسيلينيوم التي يفقدها الجسم في الجو الحارويحتاج لتعويضها لضبط ضغط الدم سواءً المرتفع أوالمنخفض. ويمكننا أن ننفذ ذلك عملياً بأن نفطر على التمر المنقوع في الماء أو اللبن الحليب أو اللبن الرائب الممزوج بالماء، ثم نكمل طعامنا بعد صلاة المغرب ومن الأفضل أن نتناول طبق السلطة وأن ننوع فيه ونجعله طبق أساسي يومي على الإفطار والسحور، ثم نتناول الفواكه بدلاًمن الحلويات بعد الإفطار.
أما الإكثار من شرب الماء فهو مطلوب حتى تحتفظ الألياف الموجودة بالأمعاء بالماء طول فترة الصيام وإعادة إمتصاصها للدم مما يقلل الشعور بالعطش أثناء الصيام. في حين أن شرب العصائر المصنعة هو أمر غير صحي لأنها غنية بالسكر فقيرة بالألياف مما يضاعف من الشعور بالعطش ويسبب إحتباس الماء بالجسم وزيادة الوزن.
وينصح بتناول الزبادي واللبن الرائب قليل الدسم لمايحتويه من البروبيوتكس أو البكتريا النافعة المساعدة على الهضم فتمنع الإحساس بالعطش والإنتفاخ والحموضة وآلام الجوع وتكسر السموم المسببة لإلتهابات القولون، ويفضل تناولها في وجبة السحور.
(ما تزال أمتي بخير ما عجلوا الفطر وأخرواالسحور)
تكمن أهمية السحورفي جعل الجسم يتجهز ليخزن الطاقة، ويجهز الجسم استعدادا للصيام، ويٌفضل عادة تناول الأغذية الغنية بالألياف مثل الفواكه والخضار، والحبوب الكاملة، والبقوليات ويمكن إضافة قليل من زيت الزيتون إلى السلطة أو الفول والحمص، فهذه الأغذية تملأ المعدة،ويتم هضمها بفترة أطول مما يقلل إحساس الصائم بالجوع.
إن كثرة تناول الأغذية السكرية كالبكلاوة والبسبوسة والكنافة تزيد من الإحساس بالجوع في اليوم التالي.
حاول تجنب الأغذية الشديدة الملوحة ، وتجنب التوابل والبهارات وخاصة عند السحورلأنها تزيد الاحساس بالعطش . ويستحسن تجنب استعمال الأغذية المحفوظة ، أو الوجباتالسريعة التحضير . واشرب كمية كافية من الماء مع عدم المبالغة في ذلك
هذه بعض النصائح فيما يختص بوجبة الفطور والسحور ... ولي عودة ان شاء الله للخوض في بعض السلوكيات والمشاكل الصحية الأخرى مثل الإسهال والإمساك والحموضة وغيرها ..
تقبل الله صيامكم وقيامكم ..
مجمع من عدة مصادر