الشاي الليبي عبر التاريخ:
في العصر التركي " شراب الملوك " :
أن الشاي قد دخل إلى ليبيا في العصر التركي ولم يعرفه في ذلك الوقت عامة الناس ولكنه ظل مقتصراً على فئة معينة كالعائلة الحاكمة وبعض الشخصيات الهامة في البلاد مثل القناصل ووجهاء البلاد ونتيجة للظروف الصعبة التي كانت تمر
بها البلاد من مجاعات وأمراض وضرائب باهضة من قبل حكام ذلك العصر أقتصر الناس على أستهلاك أنواع معينة من الأطعمة دون غيرها وأن عامة الناس في العهد التركي كانوا يعرفون القهوة ولكنهم لا يشربونها لأنها كانت غير منتشرة على نطاق واسع ومقتصرة على الأغنياء فقط وكانت توجد بعض المقاهي التي تقدم القهوة في مدينة طرابلس.
وقد ذكرت الأنسة توللى القهوة في كتابها حيث قالت :
" عندما كنت في زيارة إلى اللالة أماني بسبب مرضها قدمت لها القهوة في فناجين صغيرة جداً موضوعة في صينية فضية وصينية من الذهب التقديم القهوة الى السيدات المتزوجات وأضافوا إلى القهوة القرنفل والزعفران والقرفة وكانت القهوة مليئة بالسكر" أنتهى الإقتباس.
المقاهي في العهد التركي :
ويقول ريتشارد تولّى قنصل بريطانيا في وصف المقاهي في مدينة طرابلس:
" يلتقي الأتراك المقيمون بطرابلس في المقاهي لتبادل الأخبار ومعرفة ما يدور في طرابلس من أمور أما سادة القوم فلايأوون هذه المقاهي لأنهم يجتمعون في منازلهم على فرش فاخر ويبعثون خدمهم لاحضار القهوة لهم أما أن ذهب أحدهم الى المقهى فلا يذهب إلا ومعه خادمه لكي يمد له القهوة وتلبى طلباته ولما يجتمع هؤلاء السادة يدورالحديث بينهم وبعضهم يشرب قهوته والآخر يمتضى نرقيلة وآخرون قابضون على مناديلهم في أيديهم ويصعب على الاوربي الذي لا يعرف العادات هنا أن يتكيف مع الوضع ومجرى الحديث لأن المتكلم هنا يستعمل يده للتعبير عن شعوره بل لا ستعمالها كما نستعمل نحن القلم لوضع الفاصلة أوالقاطعة في الكتابة ويستعمل يده اليمنى في عد نقاط حديثه على أصابع اليسرى ". أنتهى الأقتباس.
ويصف الصحفي الألماني بانزه شرب القهوة في شهر رمضان بقوله :
" قبل نصف ساعة من الغروب يصبح الجميع عصبين فثمة من يغلي القهوة ويهي سيجارة لفها لتوه ووضع بجانبها عود الكبريت أويأخذ قطعة خبز في يد وفنجان القهوة المملوء في اليد الأخر بينما يترقب الجميع طلقة المدفع ". (راجع الأنسه توللي – منصور الشتيوي – إفالد بانزه).
ولقد وصف الضابط التركي عبد القادر جامي الذي نفي إلى ليبيا في بداية القرن العشرين – الشاي على الطريقة الليبية حيث أورد بعض الطرائف عنه في رحلته المشهورة من طرابلس إلى فزان بقوله :
" بعد أن أكلنا البازين في قصعة خشبية وشربنا اللبن الحامض وضعت أواني الشاي في الوسط : كؤوس زجاجية صغيرة على مائدة خشبية صغيرة وإبريقان صغيران وعلبة من الصفيح ملونة لوضع الشاي والسكر مما يدل على أن صاحب البيت ذو مال أو بتعبير أصح إنه تحصل على محصول زراعي وافر في هذه السنة. وإن الشاي الأخضر الذي أدمن أهالي طرابلس على شربه فتاك من الناحية الصحية والمالية وأكثر ضرراً من المشروبات الكحولية التي أدمن على تناولها الأوروبيون . فالشاي الأخضر الذي يلون بأصباغ مضرة يجد سوقاً رائجة عند الليبين لأنهم يفضلون الأغمق لوناً على غيره ، والشاي بلية انتشرت في شمال افريقيا وآفة عممتها الزوايا السنوسية بين السكان . ورعاية لمنشأ هذه العادة يشترط أن يراعى في إحضاره وتوزيعه على الضيوف آداب خاصة. فالذي يحضر الشاي يقلد الوضع الذي يتصف به شيخ الزاوية أمام تلاميذه".
وقال في موضع آخر من الكتاب:" قد كلف ذات يوم أحد رفقائنا وهو الشيخ أحمد بن علي شيخ قبيلة القوائد من الشاطىء وهو من التجار المعروفين بمهمة إحضار الشاي بعد الطعام (الغداء) لمعرفته بآدابه وتقاليده. وقام الشيخ المذكور بالمهمة وبعد أن انتهى من توزيع ثلاثة أقداح على جميع الحاضرين أشار على صاحب البيت برفع الأواني من أمامه ولكن بما أن ورشفانة جميعها وسكان وادي المجينين وخاصة بدو توهونة لا يكتفون بثلاثة أقداح وحتى بتسعة – فقد جذب صاحب البيت أواني الشاي لناحيته، ورعايةً لتقاليد إحضار الشاي مدّ رقبته الطويلة حتى برزت عضلاتها وحملق بعينيه الواسعتين البراقتين وظهرت تقاسيم وجهه المستطيل بأنفه المنقاري وشفتيه الرقيقتين وانتصب برأسه تحت طربوشه واتخد وضعاً خاصاً يليق بمهمته وشرع في إحضار الكأس الرابع …."
مجالس الشاى والجهاد الليبي في العهد الإيطالي :
يقول الأستاذ محمد الأسطى في وصف مجالس الشاي في العصر الإيطالي:
" في العهد الايطالي بالرغم من انعدام وسائل الاعلام (الاذاعتين) ولم تكن ثمة مجلات أو جرائد تستحق القراءة ومع هذا كانت أخبار المعارك تتسرب عبر العائدين من الجبهة الى الناس وبالتالى فأن السهرات حول أكواب الشاهي الصغيرة تنقل أخبار الجهاد وكان يتوسط الجمع الذى يعقد عن النساجين واحد ممن يجيدون القراءة ويمسك كتاب السيرة أو التاريخ ويقرأ هو وينصت الأخرون. حيث كانت مجالس النساجين التي كانت تدور في محلات انوال النسيج وما يدور في جلسات الشاي تمتد حتى منتصف الليل من بعد صلاة العشاء وما يتناقله المواطنون فيها من أخبار المعارك" .